بقلم: د. أحمد محمد البناء – الرئيس التنفيذي لمجموعة أوريجين – مملكة البحرين
عضو مجلس الإدارة للاتحاد الدولي لمنظمات التدريب والتطوير
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة الموافق 26 يونيو 2020 عن توقيعه لبروتوكول جديد للتوظيف من خلال توجيه مختلف مؤسسات الحكومة الفيدرالية، التي توظف أكثر من مليوني مواطن أمريكي، بضرورة التركيز على التوظيف المبني على الكفايات المهنية بدلًا من نظيره المبني على أساس المؤهل الأكاديمي.
المقارنة بين الكفاية المهنية والمؤهل الأكاديمي ليست موضوعًا يُطرح على طاولة نقاش الخبراء والمختصين لأول مرة في عالم تنمية الكوادر البشرية، فقد سخرت العديد من دول العالم جهودها لبناء أجيال ذات كفايات ومهارات مهنية عالية، بدءًا من طلاب المدارس، وذلك من خلال إعدادهم بالمهارات المطلوبة لسوق العمل، وكانت هناك نماذج بارزة للدول التي تميزت في تطبيق هذا الأمر، مثل فنلندا، النرويج، سويسرا،ألمانيا، بلجيكا، وغيرهم.
الاستراتيجية التي أعلن عنها ترامب قد نوقشت منذ أكثر عامين في أوروبا، كندا، أستراليا، روسيا، والعديد من البلدان الأخرى. كان للأزمة الراهنة جراء جائحة فايروس كورونا COVID-19 أثرًا هامًا في بروز العديد من القضايا التي استرعت اهتمام الكثير من الدول، كما لو أنها كانت جبلًا جليديًا خفي ارتطمت به سفينة، ما جعل أصحاب القرار والمسؤولين وذوي الاختصاص يلتفتون للكثير من الأمور والمعطيات الهامة ومدى تقليلهم من شأن ما كانوا يرونه كسفة جليدية صغيرة لا ضرر منها.
وبالحديث عن هذه التوجيهات، فقد اعتبرت الحكومة الأمريكية أن معايير التوظيف التي تتبعها الوكالات الفيدرالية قديمة، وسيؤدي تغيير الاستراتيجية والمعايير المُتبعة في التوظيف إلى تحسين جودة الخدمات المدنية المُقدمة للمجتمع الأمريكي، وعليه لابد أن تتغير الأمور لمواجهة التحديات القادمة في سوق العمل. إن هذا البروتوكول يمنح فرصًا كبيرة لتوظيف الأفراد الموهوبين ذوي الكفايات والمهارات المهنية العالية، كخريجي التلمذة الصناعية، التدريب الفني والمهني، وجميع من يمتلكون خبرة مهنية تساعدهم في تسيير وإنجاح الكثير من وظائف الخدمة المدنية الفدرالية.
بصفتي متخصصًا في إدارة وتنمية الموارد البشرية، وأمتلك خبرة واسعة في مجال التدريب المهني، فإن وجود عملية توظيف قوية تستند على كفايات ومهارات مهنية أي فرد أمر لا بد منه، وقد استحوذ هذا الموضوع على اهتمامي منذ وقت طويل، كما طرحته في مناسبات ومحافل عدة. فعلى سبيل المثال، كان من المفترض أن أحضر مؤتمرًا ضخمًا في موسكو قبل بضعة أشهر يتناول نفس الموضوع، ولكن مع الأسف تم تأجيل المؤتمر بسبب الجائحة.
وفي ذات السياق، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، قبل أشهر أن حكومة دبي المقبلة ستختلف عما كانت عليه قبل وأثناء الوباء، بل وشدد على أهمية وجود حكومة رشيقة، ذكية ومرنة ذات مركزية بشرية. ويعني ذلك بأن رؤية حاكم إمارة دبي الحاذقة تحتاج في الفترة القادمة إلى عدد أقل من الموظفين في حكومته، ولكنهم على مستوى عالٍ من الإبداع والابتكار والقابلية لإعادة التموضع والتكيف مع الأزمات وتبني كل مايحتاجه الموظف من مهارات تضمن استمراريته في سوق العمل المستقبلي.
أما على الصعيد المحلي، فقد كرست قيادتنا الرشيدة جهدًا و تركيزًا خاصًا على الكفايات المهنية، حيث شددت على أهمية غرس المهارات المطلوبة في بيئة العمل علاوةً على المؤهلات الأكاديمية لكل فرد. وقد تم تنفيذ إحدى هذه المبادرات من خلال طرح “الإطارالوطني للمؤهلات” عن طريق “هيئة جودة التعليم و التدريب” والتي يمكن أن ينفذها عددًا من معاهد ومراكز التدريب في البحرين وخارجها.
وبناءً على خبرتي في متطلبات سوق العمل، فإنني أستشرف التالي:
1- وفقًا لأحد التقارير التي نُشرت في مطلع العام الجاري من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان “وظائف الغد”، فإن أهم الاقتصادات التي ستكون ذات أهمية بارزة وأكثر طلبًا هي اقتصاد الرعاية، الاقتصاد الأخضر، الثقافة والمجتمع، البيانات والذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الهندسة والحوسبة السحابية، تطوير المنتجات، المبيعات، وتسويق المحتوى.
سيتم إعادة تشكيل سوق العمل بعد الجائحة بشكل كلي، وسوف يتغير أكثر وأكثر في الأشهر القليلة القادمة. سيحتفظ الأشخاص ذوو الكفاية المهنية العالية بعملهم، في حين أن الأشخاص ذوو الكفاية المهنية المنخفضة سيفقدون وظائفهم، إلا إذا أظهروا نية وعزم حازمين لرفع مستوى مهاراتهم ومعرفتهم وأدائهم إلى مافوق المستوى المطلوب.
2. سيزداد معدل البطالة في معظم دول العالم. حيث توقعت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة أنه في الربع الثاني من العام الجاري، قد كلف الوباء ما يعادل 305 مليون من الوظائف بدوام كامل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، فقد تقدم في شهر أبريل من عام 2020 ما يقارب 3.8 مواطن أمريكي بدعوى طلبًا للتأمين ضد التعطل. أما في المملكة المتحدة، فقد تنبأت شركة (كي بي ام جي) بأن معدل البطالة سيصل إلى نسبة 9%. وقد قامت العديد من الحكومات بدعم قواها العاملة خلال هذه الأزمة، كبريطانيا، فرنسا وألمانيا.
أما في مملكة البحرين، فقد دعمت الحكومة المواطنين من خلال تعليق القروض لمدة 6 أشهر، وإسقاط فواتير المياه والكهرباء، وقدمت الدعم المالي للشركات من خلال برنامج “استمرارية الأعمال” الذي قام به صندوق العمل الوطني “تمكين”
3- ستلعب المعرفة والمهارت دورًا فاعلًا في تشكيل سوق العمل المستقبلي، وبالتالي، فإن العالم سيوجه دفته نحو التوظيف المبني على الكفاية المهنية بدلاً من التوظيف المبني على المؤهل الأكاديمي المربوط بعدد السنوات أو الساعات التي تٌقضى في الجامعة.
التوصيات النهائية:
على الرغم من أن التركيز كان على أهمية التوظيف القائم على الكفايات المهنية، فإن تأييدي لهذه المنهجية لا أقصد بها التقليل من أهمية المؤهل الأكاديمي، حيث لا يمكننا أن نغفل أبدًا عن أهمية المؤهلات الأكاديمية للبحث العلمي والأكاديمي كونه يشكل قاعدة متينة للإنطلاق للعمل، ولكن سوق العمل المستقبلي يبحث عن الأفراد ذوي المهارات المهنية العالية اللازمة لضمان نجاح جميع الأطراف ومنها المؤسسة، صاحب العمل والموظف.
يتوجب على كل فرد، بغض النظر عما إذا كان موظفًا كبيرًا أو صغيرًا، أن يقوم بمضاعفة جهده ليمتلك أحدث وأهم الكفايات المهنية في مجال عمله قبل أن يفقد وظيفته.
إذا كنت باحثًا عن عمل أو طالبًا، يجب عليك أن تغذي ذهنك وتصقل مهاراتك بأحدث الممارسات وأن تتطور وتتكيف وفقًا لذلك لتذلل الطريق لنفسك نحو مسار النجاح.
إن هذه مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، حيث سيتوجب على الأفراد الذين فقدوا وظائفهم إقناع أي صاحب عمل جديد بأنهم موظفين ذوو كفاية عالية وقادرون على خلق قيمة مضافة لأي مؤسسة ينضمون للعمل فيها في المرحلة القادمة.
· نسخة مترجمة للمقال الرئيسي الذي نُشر بتاريخ 3 يوليو 2020 م.
https://www.linkedin.com/pulse/competency-based-qualification-based-hiring-ahmed-albanna/